في وداع أفضل لاعب وسط عرفته كرة القدم ... وداعا إنيستا
إنيستا الحب كله حبيته فيك " عصام الشوالي تعليقا على إنيستا في أحد مباريات برشلونة "
في يوم 8 من شهر أكتوبر أعلن أندريس إنيستا رحيله عن كرة القدم تاركا إرثا كبيرا خلفه فهو أحد اللاعبين المتوجين بكل الألقاب الممكنة إضافة للإعتباره كأفضل لاعب إسباني في تاريخ اللاروخا الكروي وأحد أعظم لاعبي الوسط بتاريخ اللعبة إن لم يكن أعظمهم.
يقال إن هذا الرجل لو أراد أن يحتفظ بالكرة لليلة كاملة لفعل... ولو أراد تفكيك أقوى الدفاعات لفعل ذلك بلمسة واحدة، لقد كان يحمل الكرة من الدفاع للهجوم كحمل قهوته صباحا بسلاسة وانسيابية، وتحكم قل نظيره، لقد كان كالماء ينزلق بين الأصابع، لكنه يحمل سفينة، يرسم بقدميه لوحات عديدة، يتجاوز الخصم كشربة ماء، يمر منك فلا تشاهد إلا خياله.
أما تمريراته فهي لا تقل جمالا عن مراوغته يستطيع كسر الخطوط بتمريرة، يجعلك أمام المرمى وأنت لم تدرك نفسك، يمرر الكرة لك في أي مكان من أي وضعية وبأي قدم، لقد أتقن كل مميزات لاعب الوسط الرؤية المثالية، التحكم وترويض الكرة بمهارة، اللعب بالقدمين، الذكاء، مهاجمة وخلق المساحات، الحدة والضغط، الإنهاء...
لا أحد في العالم يلعب كرة القدم ببساطة أندريس إنيستا هو النموذج المثالي للاعب الوسط على كل لاعب أن يأخذه قدوة خوانما ليو قال إن الأشخاص الأكثر حظاً في العالم هم من وجدوا الفرصة لتدريب أندريس هو التطبيق الحي لمقولة يوهان كرويف "كرة القدم لعبة سهلة، لكن من الصعب أن تلعبها بسهولة."
في 2018 عند خروجه من برشلونة كان على طاولة عروضه كل من مانشستر سيتي يوفنتوس وباريس سان جيرمان لكنه فضل التواري في شرق العالم على خيانة برشلونة، يقال بأن ليلة رحيله من أشد الليالي حزنا على مدينة برشلونة التي تعرف باحتضانها لمتاحف الرسامين فاحتضنته من صغره إلى أن اشتد عوده لينثر لوحاته في أروقة الكامب نو مرورا بحدائق المونتجويك.
لقد كان رجل النهايات الأول والحاضر دائما في المواعيد الكبرى يقول الأستاذ فهد العافت "ما أكثر الإسبان حين تعدهم لكن في النائبات إنيستا " لقد سجل الهدف الغالي في تاريخ إسبانيا، غدارة تشيلسي، أهدافه في كل كلاسيكو، حضوره في المباريات الكبرى أفضل لاعب في نهائي التشامبيونز 2015 أفضل لاعب في نهائي اليورو 2012 ونهائي كأس العالم 2010 …
أظن أن إنيستا هو 70% من ميسي فلم أشاهد أفضل منه في التصرف في المساحات الضيقة عند خط التماس أو ركنية بتلك المهارة والبراعة غير ميسي وهو ما يجعل ميسي غير قابل للمقارنة.
شاهدته لسنوات عديدة والآن أشاهد له كثيراً من ملخصات الأداء والحقيقة التي أخلص لها كل مرة أنا هذا الرجل لا يمكن أن يتكرر تسلّمه وتحريكه للكرة، حركة la croqueta الشهيرة، تخطي ضغط الخصم، تحكمه بالكرة وتنوع تحركه بها بكل الاتجاهات، جسده يمتلك مرونة رهيبة في ربط حركته مع الكرة والقدرة على تحويل الاتجاه بزوايا كبيرة. أعتقد أن مشاهدته يجب أن توضع في خانة العلاج النفسي إنه يرسم الكرة بأقدامه لا يلعبها.
يقول جوزيه مورينيو في تعريف كرة القدم أنها لعبة تدور حول المشاعر والذكاء وخير من يترجم ذلك هو انيستا فبذكائه يحرك شعورنا، يبهرنا بتحركاته، بمداعبته للكرة، فيخلق فينا ذاك الشعور بحبه، بالاستمتاع به، واحترامه… فلا تجد متابعا يكره انيستا لقد كسب الجميع بأخلاقه التي لا تقل عن مهاراته، لا نجد الوصف لإنصافه أو التعبير عن إبداعه إنه انعكاس للجمال في كرة القدم ذاك الجمال الذي تفهمه أرواحنا وتفرح به وتنمو بتأثراته، أما أفكارنا فتقف أمامه محتارة محاولة تحديده وتجسيده بالألفاظ ولكنها لا تستطيع. فهو لغة سماوية تترفع عن الأصوات والمقاطع التي تحدثها الشفاه والألسنة …
سيتركنا الرسام بعد أن تآكلت ريشته بفعل الزمان سيتركنا من كان يزودنا بالإبداع والجمال سيتركنا أحد اللاعبين القلائل الذي تفتح التلفاز لمشاهدته، لا يوجد وصف أكثر بلاغة على رحيله كتعبير المعلق الكبير علي سعيد الكعبي " أهكذا كالحلم ترحل فجأة؟ " هو كالحلم السعيد الذي لا تتمنى الاستيقاظ منه هو الحلم الذي يداهمنا ليلا ينسينا تعب اليوم هو الحلم الذي تريد الانغماس فيه متمنيا لو أنك تستطيع أن تستغرق في الأحلام للأبد. ولأن كل الأشياء الجيدة لا بدَّ أن تنتهي، فقد سطر 8 من أكتوبر نهاية أشهر اللاعبين حملا لرقم 8 أندريس الدون إنيستا ...